يوم بعاث
بعاث أو يوم بعاث هي آخر معركة من معارك الأوس
والخزرج بيثرب قبل هجرة الرسول , وبُعاث ( بضم الباء ) وقعت قبل الهجرة بخمس سنوات
و تُعد أشهر وأدمى معركة بين اليثربيين وآخرها إذ أخذت بهم الأحقاد والضغون إلى أن
أخذوا يستعدون لها ويعدون قبل شهرين - وقيل 40 يوماً - من وقعتها . حالف الخزرج أشجع
وجهينة , وحالف الأوس مزينة وقبائل اليهود بني قريظة و بنو النضير و غيرهم . وسميت
المعركة ببعاث نسبةً للمنطقة التي تصادم بها الحشدان وقامت عليها الحرب .
سبب المعركه
كانت يثرب تموج بحروب لا بداية لها ولا نهاية بين الأوس والخزرج
, فكان في نفوسهم الشيء الكثير من الثارات والاحتقانات وكان يوم بُعاث خاتمة لهذه الحروب
الأهلية التي أنهكتهم لسنين مديدة . كانت بدايات واقعة بُعاث أن علمت الخزرج أن بني
قريظة و بني النضير يعاونون الأوس في معاركهم , فبعثوا لهم رسالة يعمها التهديد والتخويف
وتأليب من هم أقوى منهم عليهم من العرب وطلبوا منهم أن يعتزلوا ويخلوا بينهم وبين الأوس
فلا يشركون أنفسهم في ما ليس لهم , فلما بلغ اليهود ذلك ردوا على الخزرج أن الأوس فعلاً
قد طلبوا نُصرتهم لكنهم لن يفعلوا , فطلب الخزرج حينها من اليهود ( النضير وبني قريضة
) رهائن تكون معهم ليأمنوا حربهم , فأرسل لهم اليهود أربعين غلاماً من غلمانهم إلى
الخزرج . في أحد الأيام قام عمرو بن النعمان البياضي إلى قومه الخزرج و أطمعهم في أراضي
النضير وبني قريظة وما تحويه من ماء ونخيل , وما عليه أرضهم من سبخة لا تُسكن ولا تُطاق
, ثم كتب إلى قريظة والنضير يطالبهم بأن يخلوا بينهم وبين ديارهم أو قتل الرهائن !
, فعزم بنو قريظة والنضير على الجلاء والخروج إلا أن كعب بن أسد القرظي قال "
يا قوم امنعوا دياركم وخلوه يقتل الرهن والله ما هي إلا ليلة يصيب فيها أحدكم امرأته
حتى يولد له غلام مثل أحد الرهن " فما كان من القوم إلا أن وافقهوه رأيه وراسلوا
عمرو بأنهم رفضوا تسليم منازلهم , فقام عمرو وبعض مُطيعيه من الخزرج فقتلوا الرهن !
, ولم يرضى هذه الفعلة عبدالله بن أبي بن سلول فقال "هذا عقوق ومأثم وبغي فلست
معينا عليه ولا أحد من قومي أطاعني " . وبعد هذه الحادثة وبنفس اليوم تقاتل الأوس
مع الخزرج قتالاً يسيراً , ثم أرسل النضير وبني قريظة إلى الأوس بالقتال معهم ونصرتهم
على الخزرج كما حالفتهم بنو ثعلبة وبنو زعوراء , وأجمعوا أمرهم على القتال .
الاستعداد
بعد وقعة قتل غلمان اليهود ( الرهن ) من قِبل عمرو بن النعمان
وبعض مطاوعيه من الخزرجيين , لم يتوانى بنو النضير وبنو قريضة عن إعلان مُحاربة الخزرج
يداً بيد مع الأوس , واشتغل الأوس لفترة طويلة تجاوزت الأربعين يوماً بتجميع الحلفاء
فانضمت لهم قبائل من بني ثعلبة " من غسان " , وبني زعوراء " من غسان
" وجدوا في عزمهم على قتال الخزرج وتسلحوا وتجهزوا وأعدوا للقتال عُدته . بلغ
هذا الخبر الفظيع الخزرج فقام عمرو بن النعمان و عمرو بن الجموح السلمي إلى عبدالله
بن أبي بن سلول وكلموه بالقتال لكن عبدالله بن أبي خالفهم ووبخهم لأفعالهم وبغيهم فرد
عليه عمرو بن النعمان " انتفخ والله سحرك يا أبا الحارث حين بلغك حلف الأوس قريظة
والنضير " , فقال عبدالله بن أبي بن سلول : " والله لا حضرتكم أبدا
ولا أحد أطاعني أبدا ولكأني أنظر إليك قتيلا تحملك أربعة في عباءة ". , وتخلف
عبدالله بن أُبي عن القتال هو ورجال من الخزرج على رأسهم عمرو بن الجموح . فما كان
من الخزرج إلا تولية عمرو بن النعمان البياضي قائداً لهم بهذه الحرب وبدأوا بتجميع
الحُلفاء ومراسلتهم فراسلوا جهينة و أشجع فجاوبوهما . وهكذا , بدأ الفريقان يحشدان
الجموع ويألبان الأنصار لليوم المزمع الموعود .
يوم بُعاث
بعد الاستعداد الطويل لهذا اليوم المُرتقب , و تجلي الخوف
السائد للطرفين , وازدياد الاحتقان المُتصاعد , احتشد الطرفان في بُعاث وهي منطقة لبني
قريظة , وما لبثا حتى التقيا ودارت رحى المعركة فانكسر الأوسيون عندما اشتد وطيس المعركة
ولم يقاوموا فانهزموا هزيمة واضحة ولاذوا بالفرار , إلا أن قائدهم حضير الكتائب قام
بطعن قدمه بالرمح وصاح بأعلى صوته " واعقراه كعقر الجمل! والله لا أعود حتى
أقتل فإن شئتم يا معشر الأوس أن تسلموني فافعلوا " , وعندما سمعوا صوته عطفوا
عليه عطفة رجل واحد و استعرت الحرب و اشتد سعيرها فقلب الأوسيون الحال رأساً على عقب
وقُتل عمرو بن النعمان " رئيس الخزرج " بسهم لا يُعرف له رامٍ , وحُمل ملفوفاً
بعباءة يحمله أربعة و عبدالله بن أبي بن سلول ينظر فيه من بعيد , ويقول " ذق وبال
البغي " , ( فكان كُل ما قاله ابن أبي قبل المعركة قد وقع , وها هو الآن يرى
عَمْراً محمولاً على الأكتاف كما أخبره من قبل ! ) . وليس إلا وقت قليل وينهزم
الخزرج هزيمة نكراء والأوس من خلفهم بالسلاح لا تأخذهم بهم رحمة فصاح أحد الأوسيون
" يا معشر الأوس أحسنوا ولا تهلكوا إخوانكم فجوارهم خير من جوار الثعالب
" ومع هذا الصوت توقفوا عن قتلهم وسلبهم ولكن النضير وبني قريضة فعلا , و مات
حضير قائد الأوس فيما كان قومه يحملونه .
بعد بعاث
كانت هذه الحروب الأهلية قد أنهكت اليثربيين أوسهم وخزرجهم
, وبعد يوم بعاث قرر عقلاء الطرفين وضع حد لهذه الحال فاتفقوا على تنصيب رجل واحد منهم
يقبله الطرفان فوقع الاختيار على عبدالله بن أبي بن سلول , وفيما كانا يُجهزان له ملكه
حدثت بيعة العقبة الأولى والثانية ودخل الإسلام يثرب ثم هاجر إليها النبي , فزال مُلك
ابن أبي قبل أن يهنأ به ولو ليوم واحد فعاش عبدالله بن أُبي تحت سيادة النبي كأكبر
منافق ومعادٍ للنبي عرفه التاريخ الإسلامي , والسبب في هذا واضحٌ فهو كان يرى أن النبي
قد انتزعه ملكه الذي كان يُجهز له . وكان يوم بعاث نهاية لحروب يثرب بين الأوس والخزرج
حيث أنهم اصطلحوا على ايقاف الحرب ثم دخلوا في الإسلام جميعاً وأصبحت سيوفهم تُسل على
عدو واحد دفاعاً عن عقيدتهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق