الخميس، 19 ديسمبر 2019

يحيى حقي محمد حقي بحث موضوع كامل للقراءة والطباعة


Description: C:\Users\Server\Desktop\Yehia_Hakki.jpgيحيى حقي محمد حقي
(17 يناير 1905م - 9 ديسمبر 1992م) كاتب وروائي مصري. ولد يحيى حقي في أسرة لها جذور تركية في القاهرة وقد حصل على تعليم جيد حتى انخرط في المحاماة حيث درس في معهد الحقوق بالقاهرة وكان تخرجه منه في عام 1925م. ويعتبر يحيى حقي علامة بارزة في الأدب والسينما وهو من كبار الأدباء المصريين بجانب نجيب محفوظ ويوسف ادريس.
قضى يحيى حقي عمره كله في الخدمة المدنية وعمل بالسلك الدبلوماسي المصري.تم تعيينه في منصب مستشار في دار الكتب والوثائق القومية.
وأما في مجاله الأدبي فقد نشر أربع مجموعات من القصص القصيرة. ومن أشهر روايته "قنديل أم هاشم". كتب العديد من المقالات والقصص القصيرة الأخرى، وكما عمل محررا لمجلة أدبية وهي المجلة من عام 1961م إلى عام 1971م وقد منعت المجلة عن النشر في مصر.
مولده وعائلته
ولد "يحي حقي" في 17 يناير 1905 م في بيت صغير متواضع،"من بيوت وزارة الأوقاف المصرية ب"درب الميضة" ـ الميضأة ـ وراء "المقام الزينبي" في حي السيدة زينب بالقاهرة؛ لأسرة تركية مسلمة متوسطة الحال؛غنية بثقافتها ومعارفها، هاجرت من (الأناضول) وأقامت حقبة في شبه جزيرة "المورة"، وقد نزح "إبراهيم حقي" (توفي سنة 1890)، أحد أبناء هذه العائلة إلى مصر ـ في أوائل القرن التاسع عشر، قادما من اليونان، ـ وكانت خالته السيدة حفيظة المورالية (خازندارة) بقصور الخديوي إسماعيل ؛ فتمكنت من تعيين قريبها الوافد في خدمة الحكومة، فاشتغل زمناً في دمياط ثم تدرج في الوظائف حتى أصبح مديرًا لمصلحة في بندر المحمودية بالبحيرة ؛ ثم وكيلًا لمديريةالبحيرة ؛ هذا الرجل هو جد يحيى حقي[2]. وقد كون "إبراهيم حقي" أسرة تركية المعدن تنصهر في بوتقة البيئة المصرية؛ فأنجب ثلاثة أبناء هم على الترتيب:محمد (والد يحيى حقي)، ومحمود طاهر حقي (ولد في دمياط سنة 1884م ،وتوفي في يناير 1965م، وهو الأديب المعروف)، وأخيرًا كامل حقي (توفي في 2 مايو 1972 م).[3]
وكان محمد إبراهيم حقي ـ والد يحيى ـ من بين أفراد تلك العائلة، الذين جروا على أعراف أبناء جلدتهم حيث حرص على الزواج من سيدة تركية الأصل تجيد القراءة والكتابة في زمن تفشت فيه الأمية بين نساء جيلها عامة، هذه الفتاة تدعى (سيدة هانم حسين) تنتمي إلى أب تركي وأم ألبانية، وقد التقت أسرتا "سيدة هانم " ومحمد حقي في بندر المحمودية بالبحيرة ،وزفت "سيدة" إلى "محمد" الموظف بنظارة الأوقاف ؛ وكان لمحمد ميل شديد للآداب والفنون يوافق ميل زوجه للتفقه في الدين وقراءة السير والمغازي؛
الأخوة
وقد أنجب محمد حقي عددًا كبيرًا من الأبناء ؛هم على الترتيب :إبراهيم، إسماعيل، يحيى، زكريا، موسى، فاطمة، حمزة، مريم[4]...، وقد توفي حمزة ومريم وهما طفلان، كما توفي عدد آخر من الأطفال قبل أن يبلغوا من العمر شهورًا. كان والد يحيى حقي يقتني العديد من المجلات السيارة في مطلع هذا القرن ؛ أما والدته فكانت متعلمة لها حزم وبصر، وتصرف في الأمور ؛ فكانت تدير المنزل وتدبر شئونه ؛ ويبدو أن محمد إبراهيم حقي شأنه شأن كل رجال الأُسَرِ في ذلك الوقت يترك لزوجته تحمل مسئولية تربية أبنائها ـ خاصة إذا كانت ربة الأسرة لها قسط من التعليم ـ وقد كانت أم يحيى حقي ضليعة في تربية أبنائها ومراعاة مصالحهم وسد احتياجاتهم، وظلت حريصة على إلحاقهم بأعلى مستويات التعليم.
كان عمه محمود طاهر حقي:الأديب المعروف، صاحب مجلة "الجريدة الأسبوعية ". أما الأخ الأكبر ليحيى فهو الأستاذ "إبراهيم حقي" كان يعمل في الخاصة الملكية ثم انتقل بعد ذلك للعمل في إحدى الشركات التجارية الكبرى (فيلبس) وكان له ولع بالكتابة حيث إنه شارك في مطلع حياته بالكتابة في مجلة (السفور)[5]. ثاني إخوته الدكتور (إسماعيل حقي)، قضى زمنًا في التدريس في المعاهد المصرية ثم أحيل إلى المعاش وسافر إلى الرياض ليعمل بجامعة الملك سعود، وقد كتب في مطلع شبابه تمثيلية قدمها للفنان يوسف وهبي ، وقد ترجم في السنوات الأخيرة كتبا في الفلك والسفر إلى الكواكب نشرتها له مؤسسة فرانكلين . أما أخوه الذي يصغره وهو الرابع في الترتيب فهو "زكريا حقي" الذي درس الطب وعمل مديرًا بإحدى مصالح وزارة الصحة، ثم الأستاذ "موسى حقي " الذي تخرج في كلية التجارة، ثم حصل على درجة (الماجستير) في السينما وكان يشغل وظيفة كبيرة بإحدى المؤسسات السينمائية ؛ أما فاطمة وزوجها الأستاذ "سيد شكري" فكانا قارئين نهمين للأدب.[6] هذه هي عائلة يحيى حقي التي ولد بين أحضانها وتربى فوق مهاد أفكارها.
تعليمه
تلقى يحيى حقي تعليمه الأوليَّ في كُتَّاب "السيدة زينب"، وبعد أن انتقلت الأسرة من "السيدة زينب" لتعيش في "حي الخليفة"، التحق سنة 1912 بمدرسة "والدة عباس باشا الأول" الابتدائية بحي "الصليبية" بالقاهرة، وهذه المدرسة تتبع نفس الوقف الذي كان يتبعه (سبيل أم عباس) القائم حتى اليوم بحي "الصليبية"، وهي مدرسة مجانية للفقراء والعامة، وهذه المدرسة هي التي تعلم فيها مصطفى كامل باشا. قضى "يحيى حقي" فيها خمس سنوات غاية في التعاسة، خاصة بعد رسوبه في السنة الأولى إثر ما لقي من مدرسيه من رهبة وفزع ؛ لكنه استطاع ـ بعد صدمة التخلف عن أقرانه ـ أن يقهر إحساسه بالخوف وأن يجتهد محاولاً استرضاء والدته التي تكد وتكدح جاهدة للوصول بهم إلى بر السلامة، وفي عام 1917 حصل على الشهادة الابتدائية، فالتحق بالمدرسة السيوفية، ثم المدرسة الإلهامية الثانوية بنباقادان، وقد مكث بها سنتين حتى نال شهادة الكفاءة، ثم التحق عام 1920م بالمدرسة "السعيدية" ـ وكان يسكن حينئذ مع أسرته في شارع محمد على ـ عاماً واحداً، انتقل بعده إلى المدرسة "الخديوية" التي حصل منها على شهادة (البكالوريا)، ولما كان ترتيبه الأربعين من بين الخمسين الأوائل على مجموع المتقدمين في القطر كله، فقد التحق في أكتوبر 1921م بمدرسة الحقوق السلطانية العليا في جامعة فؤاد الأول، وكانت وقتئذٍ لا تقبل سوى المتفوقين، وتدقق في اختيارهم. وقد رافقه فيها أقران وزملاء مثل: توفيق الحكيم، وحلمي بهجت بدوي، والدكتور عبد الحكيم الرفاعي ؛ وقد حصل منها على درجة (الليسانس) في الحقوق عام 1925، وجاء ترتيبه الرابع عشر .[7]
" مطلوب مني هنا أن أكتب سيرتي الذاتية ، التحدث عن النفس !
ياله من لذة ساحرة ، تواضعها زائف ، ياله من ملل فظيع ، يستحب معه الانتحار . "[8]
عمله
قضى يحيى حقي فترة التمرين بمكتب نيابة "الخليفة" ومقرها شارع نور الظلام ـ (وذلك في مبنى المحكمة الشرعية) ـ لقربه من مسكنه، وبهذه الوظيفة بدأ يحيى حقي حياته العملية، وأصدق وصف لها هو " صبي وكيل النيابة" ـ على حد تعبيره ـ ما لبث أن ترك بعد مدة وجيزة هذه الوظيفة التي تجعل منه تابعًا، ولا تعطيه الحق في تحمل المسئولية؛ ليعمل بعدها بالمحاماة تلك المهنة التي تحتاج إلى معارف ومعاملات مع الناس، الأمر الذي لا يتوفر له أو لعائلته، والقاهرة بلد كبير يحتاج فيها المحامي الناشئ إلى شيء من ذلك؛ ولما تحقق له الفشل الذي توقعه سافر إلى الإسكندرية ليعمل في أول الأمر عند الأستاذ زكي عريبي، المحامي اليهودي المشهور وقتذاك (وقد أسلم هذا الرجل بعد ذلك)، بمرتب شهري قدره ستة جنيهات، لم يقبض منها شيئًا ثم انتقل إلى مكتب محام مصري بمرتب قدره ثمانية جنيهات شهريًا، وسرعان ما هجر الإسكندرية إلى مديرية البحيرة ليعمل فيها بمرتب شهري قدره اثنا عشر جنيهًا، وقد سمح له هذا العمل بالتنقل بين مراكز مدينة البحيرة، وكثيرًا ما تعرض للخداع من قبل الوسطاء الذين يعملون بين المحامين والمتقاضين، هذا الأمر جعله يفقد الإحساس بالأمن والاستقرار، كما أغرقه في الشعور بالخوف من المستقبل، فلم يلبث في عمله بالمحاماة أكثر من ثمانية أشهر ؛ لأن القلق على مستقبله بدأ يساور أهله؛ فبدؤوا يبحثون له عن عمل بالوساطات والشفاعات حتى وجدوا له وظيفة معاون إدارة في منفلوط بالصعيد الأوسط؛ وبعد وفاة والده عام 1926، لم يجد بُدًا من الخضوع لأوامر العائلة وقبول تلك الوظيفة ؛ التي تسلم عمله بها في الأول من يناير عام 1927.[9]
كانت الوظيفة الجديدة أقل كرامة من وظيفة النيابة؛ فلم يقبل المنصب إلا صاغرًا مستسلمًا،وقد عانى فيه مشقة كبرى وامتحن فيه امتحانًا عسيرًا وعرف الغم والهم والحسرة والألم. ولكنه ـ من جهة أخرى غنم من تلك الوظيفة مغانم كثيرة لا تحصى ؛ بالنسبة لمستقبله ككاتب.
العمل الدبلوماسي
عاش يحيى حقي في الصعيد، عامين كان يتطلع خلالهما للخلاص من تلك الحياة القاسية، حتى أتاه بالمصادفة المحضة ـ كما يقول ـ إذ قرأ إعلانا من وزارة الخارجية عن مسابقة لأمناء المحفوظات في (القنصليات)، و(المفوضيات)؛ فحرص على التقدم إلى تلك المسابقة التي نجح فيها ، ولكن كان ترتيبه الأخير ، فعين أمينا لمحفوظات القنصلية المصرية في جدة، عام 1929 ثم نقل منها إلى إستنبول عام 1930م، حيث عمل في القنصلية المصرية هناك، حتى عام 1934؛ بعدها نقل إلى القنصلية المصرية في روما، التي ظل بها حتى إعلان الحرب العالمية الثانية في سبتمبر عام 1939م؛ إذ عاد بعد ذلك إلى القاهرة في الشهر نفسه، ليعين سكرتيرًا ثالثًا في الإدارة الاقتصادية بوزارة الخارجية المصرية، وقد مكث بالوزارة عشر سنوات رقي خلالها حتى درجة سكرتير أول حيث شغل منصب مدير مكتب وزير الخارجية، وقد ظل يشغله حتى عام 1949م ؛ وتحول بعد ذلك إلى السلك السياسي إذ عمل سكرتيرًا أول للسفارة المصرية في باريس، ثم مستشارًا في سفارة مصر بأنقرة من عام 1952 وبقى بها عامين، فوزيرًا مفوضًا في ليبيا عام 1953.[10]
أُقِيلَ من العمل الديبلوماسي عام 1954 عندما تزوج (في 22/9/1953م) من أجنبية وهي رسَّامة ومثَّالة فرنسية تدعي ( جان ميري جيهو )، وعاد إلى مصر ليستقر بها؛ فعين مديرًا عامًا لمصلحة التجارة الداخلية بوزارة التجارة ؛ ثم أنشئت مصلحة الفنون سنة 1955 فكان "أول وآخر مدير لها، إذ ألغيت سنة 1958 "، فنقل مستشارًا لدار الكتب، وبعد أقل من سنة واحدة أي عام 1959 قدم استقالته من العمل الحكومي، لكنه ما لبث أن عاد في أبريل عام 1962 رئيساً لتحرير مجلة المجلة المصرية التي ظل يتولى مسئوليتها حتى ديسمبر سنة 1970 [11]
مجلة المجلة - سجل الثقافة الرفيعة
تولى يحيى حقى رئاسة التحرير من مايو 1962 وحتى نهاية عام 1970، وهي أطول فترة يقضيها رئيس تحرير للمجلة في تاريخها.. لذا ارتبط اسم "المجلة" باسم يحيى حقى، حتى لقد كان شائعاً أن يقول الناس: "مجلة يحيى حقى" واستطاع الرجل العملاق أن يحافظ على شخصيتها كمنبر للمعرفة، والعقل محولاً إياها إلى معمل تفريخ للمواهب الحقيقية.. يكتشفها ويرعاها، ويدفعها للأمام.. وفتح صفحاتها للأجيال الشابة من المبدعين، في القصة والشعر والنقد والفكر ليصنع نجوم جيل الستينيات في "شرفة المجلة" بشارع عبد الخالق ثروت هذه "الشرفة" التي كان يحاور فيها هذا الجيل القادم من الريف بنصوصه الأولى يناقشهم ويحاورهم ويطور من ثقافتهم.. وينشر لهم جنباً إلى جنب الرواد والراسخين في الفكر والعلم.. وما زال دور يحيى حقى في تقديم، واكتشاف هؤلاء مجهولاً ولم يدرس بعد،
فالرجل بحق هو "الأب الروحي" لجيل الستينيات من المبدعين. وهو الذي رعاهم وطمأنهم على مواهبهم وشق أمامهم طريق النجومية الحقيقية، وظل يحيي حقي يقوم بهذا الدور حتى العام الأخير من رئاسته للتحرير، حيث فوض نائبه الدكتور شكري محمد عياد لإدارة المجلة في خلال الشهور الأخيرة قبل أن يحتدم الخلاف بينه وبين المؤسسة الرسمية ويتركها في أكتوبر 1970 ليتولى رئاسة تحريرها الدكتور عبد القادر القط منذ نوفمبر 1970 حتى قرار أنور السادات بإغلاقها، وإغلاق المجلات التي كانت تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب في أكتوبر 1971 وهو ما عرف بقرار إطفاء المصابيح الثقافيةوبعدها بقليل أعلن اعتزاله الكتابة والحياة الثقافية.
ولقد قيل تبريراً لهذا القرار أن الهيئة المصرية العامة للكتاب التي كانت تصدرها هي هيئة "للكتاب" وليس للمجلات!!! لكن الهدف الرئيسي من القرار كان إغلاق منافذ "المعرفة والعقل" لعزل مصر عن دورها العربي. وتجريف العقل المصري وهو ما تحقق بالفعل حتى إسقاط الشعب نظام مبارك في ثورة 25 يناير 2011.[12]
حياته الاجتماعية
عاش يحيى حقي حياته محايدًا ؛ مكشوف الطوية ؛ "من تعرف عليه ولو في كهولته، فكأنما عرفه منذ كان طفلًا في المهد؛ إذ بقي معه ـ حتى نهاية حياته ـ شيء من طفولته، وقليل من صباه، وأَثَارَةً من شبابه، وهذا في جملته يدل على أنه كاتب عظيم ".
صفاته الجسمية
كان يحيى حقي قصير القامة، " لايزيد طوله عن المتر" إلا (بِلُكَّمِيَّة) ـ على حد تعبيره ـ له وجه طفل سمح، وردي اللون؛ ورأس كبير، زحفت جبهته حتى منتصفه، وفم لا تفارقه البسمة الخجول الغامضة، الودود المتوددة، في عينيه بريق حاد يجعلهما كعيني صقر، يشع منهما ذكاء فريد نصفه دهاء ونصفه حياء، ونفاذ بريقهما لا يكاد يتخلله سوى رعشة الخجل، ينكفئ بين العينين أنف ليس صغيراً، ترتاح على جانبيه وفوق كرسيي خديه، عدستا (منظار) كجناحي فراشة، تزيد مسحة الذكاء إشعاعاً وانطلاقاً، ذلك (المنظار) الذي اعتاد عليه منذ وقت مبكر جدًا من طفولته، مثله في ذلك مثل كل أفراد عائلته؛ في يده اليمنى يمسك عصًا معقوفة من الأعلى، قد يغطي مقبضها أحيانا بمنديل من قماش أبيض، كما يغطي رأسه بـ (بيريه).
تربيته وشخصيته[عدل المصدر]
كان زملاء يحيى حقي يتندرون عليه بدعوى أنه مؤدب أكثر مما يجب، وأنه يستخدم كلمة (أفندم) التركية، في كل كبيرة وصغيرة؛ وكانت هذه الكلمة رمز الأدب وحسن التربية عند الطبقة الوسطى وما فوقها، هذا الخلق لم يكتسبه يحيى حقي من صحبته للديبلوماسيين ؛ لكن ذلك كان غرس أمه، التي هي منبع ذلك الخلق ؛ أدبته فأحسنت تأديبه، وعلمته ـ كما قال ـ كيف يجب أن يجلس ويتكلم، وكانت تقيد عليه وعلى إخوته الخمسة كل زلة لسان ينبو بها القصد ـ وإن كانت بريئة ـ فتنبههم إليها إذا انفض الجمع، و"انتهت طفولته، ومضى صباه وسارت حياته كسلسلة من حديد في قوانين صارمة لا يستطيع أن يتعداها".
إن البيت الذي نشأ فيه يحيى حقي لم يعرف الفروق الطبقية أو الجنسية، في وقت كان الأتراك يتميزون فيه ويتصفون بالكبر والاستعلاء، ويحار المرء في كنه هذا الأمر؛ هل هو مكتسب بالفقر، أو هو طبع أصيل ؟ ؛ " وسواء أكان الأمر هذا أم ذاك؛ فإنه هو الذي نشأ عليه ذلك الطفل الغريب"، الذي عاش حياته كلها في ظل ألفة اجتماعية جعلته قريبًا من كل قلب؛ تخلل تلك الألفة بارقات من الضجر الاجتماعي الذي كان يعتوره أحيانًا، وقد رصدته بعض المصادر بينما غفل عنه الكثيرون من دارسيه ورفقائه.
الائتلاف الاجتماعي[عدل المصدر]
منذ عرف يحيى حقي الطريق إلى الشارع وإلى المدرسة، أصبحت "الصداقة" هي عصب حياته، وأهم عناصرها على الإطلاق... وبدءًا بأيام مدرسة (أم عباس)، ظل يحتفظ ببعضها حتى نهاية حياته... وقد شكلت صداقته ـ طوال حياته ـ ثلاثة تجمعات رئيسة ؛ لكل واحدة منها اهتماماتها الخاصة
أولاً: جمعية الأخلاق الفاضلة[عدل المصدر]
أولى التشكيلات الاجتماعية التي انخرط يحيى حقي فيها هي: "جمعية الأخلاق الفاضلة" في المدرسة الإلزامية، هذه الجمعية مهمتها أن تحمي الأخلاق وتحافظ عليها وعلى القيم الاجتماعية، والالتزام بها... ؛ ولكن ما أعظم خيبة الأمل عندما اكتشف يحيى حقي أن أعضاء تلك الجمعية أنفسهم هم الذين لا يحمون خلقاً، ولا يحافظون عليه أو يلتزمون به، فتركهم ليعيش الأخلاق الفاضلة في حياته، سجية وطبعا، دون أن ينضوي بها تحت شعار براق لا يحميه من يشرعه في وجوه الآخرين.
ثانياً: جماعة الحقوقيين[عدل المصدر]
في مدرسة الحقوق انغمس يحيى حقي في دراسة القانون، وزامل وصادق والتقى ـ فيها ـ بنخبة من العباقرة الذين عرفتهم مصر بعدئذ، وكانت الجماعة التي انضم إليها؛ جماعة من المجدين المجتهدين، أخذ أفرادها الدرس أخذ حياة ومنهج، كان منهم المرحوم حلمي بهجت بدوي، وعبد الحكيم الرفاعي، وسامي مازن؛ كان اجتماعهم حلبة ساخنة للمناقشة ؛ يزكي أوارها نخبة من الأساتذة العظماء مثل عبد الحميد أبو هيف، ونجيب الهلالي، وأحمد أمين... وغيرهم.
في اجتماعه مع هؤلاء، لم يكن للأدب نصيب وافر من المدارسة أو المناقشة، فلم تكن جماعتهم تناقش إلا القانون ،ولا تهتم بشيء قدر اهتمامها بما يدور في إطاره من ثقافات ومعارف، وكان القانون وثقافته ـ وقتئذ ـ يشغل يحيى حقي؛ فدخل في سباق رهيب، كان وطيسه يشتد كلما مضت السنوات واقترب موعد التخرج؛ لكنه في تلك الأيام استطاع أن يتلمس من خلال معطياتها الدوافع الأولى للكتابة في حياته.
ثالثاً: جماعة الأدباء[عدل المصدر]
انخرط يحيى حقي في جماعة موازية لجماعة الحقوقيين الذين لم يهتموا إلا بالقانون، هذه الجماعة هي "جماعة الأدباء"، يجتمعون بمقهى "الفن" الشهير في عماد الدين، أمام مسرح رمسيس ـ (مسرح الريحاني الآن) ـ وعن طريق شقيقه إبراهيم حقي التقى بزملاء الشباب الواعد، وعلى مقهى "الفن"، كان أقرب الأصدقاء إلى نفسه المهندس محمود طاهر لاشين (1894 ـ 1954م)، والدكتور حسين فوزي (1900 ـ 1988) إلى جانب أنواع وأنواع من الفنانين والكتاب الذين التقى بهم يحيى حقي في مقهى "الفن".
هذه ثلاثة أنواع من التجمعات التي انتمى إليها يحيى حقي ؛ لكل تجمع منها أهدافه وتوجهاته ورؤاه وطموحاته الخاصة، وكل هذه الطموحات والتوجهات كانت تجتمع في شخصية يحيى حقي ؛ الذي لم يكن يألف ـ على الرغم من تسامحه الفياض ـ غير أصدقائه المقربين، بل كانت تنتابه أحيانًا حالة نفسية في تعامله مع المجتمع من حوله، لنا أن نسميها "ضجرًا اجتماعيًا"، وقد رصدت بعض المصادر هذه الحالة النفسية الصعبة، التي كانت تنتابه لكنها لم تلفت الانتباه إليها بعد ؛ فهو كثيرًا ما كان يبدو "غريب الأطوار ".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق